القائل بأن “أكبر عدو للإسلام جاهل يكفّر الناس”، قصة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد فيلسوف التنوير

مدى بوست – فريق التحرير
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، الشهير بـ ابن رشـد أو ابن رشـد الحفيد، و(Averroes) عند الأوربيين. هو فيلسوف وطبيب وفقيه وقاضي وفلكي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس.
يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام، فقد دافع عن الفلسفة وصحح لعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي، فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيبًا له ثم قاضيًا في قرطبة.
تولّى ابن رشد منصب القضاء في إشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف. تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضون له بالكفر والإلحاد ثم أبعده أبو يوسف يعقوب إلى مراكش وتوفي هناك.
نشأة ابن رشد
وُلد ابن رشـد في قرطبة في الأندلس في 14 نيسان/ أبريل 1126، وتلقى تعليمه في بداية حياته على يد أفضل المدرسين في مختلف المواد من اللاهوت والحديث إلى علم اللغة والقانون، كما درس الطب تحت إشراف ابو جعفر ابن هارون الطرجلي (التركي).
نشأ ابن رشـد وسط أسرة أندلسية بارزة مارست الفتوى والزعامة الفقهية، فجده المشهور باسم ابن رشد الجد، للتمييز بينه وبين حفيده الفيلسوف، كان شيخ المالكية وقاضي الجماعة وإمام جامع قرطبة، كما كان جده من كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية.
أما والده فهو أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد، الذي كان فقيهًا له مجلس يدرس فيه في جامع قرطبة، وله تفسير للقرآن في أسفار، وشرحٌ على سنن النسائي وتولى القضاء في قرطبة عام 532 هـ، بينما كان ابنه ابن رشد آنذاك في الثانية عشرة من عمره.
ترك أبو القاسم القضاء لينقطع إلى التدريس والتأليف، في الفقه والتفسير والحديث، إلى أن توفي سنة 563 هـ عندما كان ابنه في أوج نشاطه الفلسفي. فعايش ابن رشـد الحفيد في شبابه أواخر العصر المرابطي، وتميز ذلك العصر بسلطة الفقهاء على الفكر والثقافة والمجتمع والسياسة.
دراسة ابن رشد
درس ابن رشد الفقه على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، واستظهر كتاب الموطأ حفظا للأمام مالك على يدي أبيه الفقيه أبي القاسم، ودرس، أيضًا، على أيدي الفقيه أبي مروان عبد الملك بن مسرة، والفقيه ابن بشكوال وأبي بكر بن سمحون.
كما درس على يد الفقيه أبو جعفر بن عبد العزيز، الذي أجاز له أن يفتي في الفقه مع الفقيه أبي عبد الله المازري. كما درس على يد أبي جعفر هارون، وأبي مروان بن جبرول من بلنسية، وكان أقرب من أبي بكر بن زاهر (أحد أبناء ابن زهر)، وفي الفلسفة تأثر بابن باجة، كما كان صديقًا لابن طفيل.
الحياة المهنية لابن رشد
تولى القضاء عام 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة. وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص.
كان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب؛ فتنقَّل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم ولاَّه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده ورفعة وقرَّبه إليه.
تأثير ابن رشد في الأوربيين
أثرت مدرسة ابن رشـد في أوروبا وتحديدًا في العصور الوسطى في الفلسفة، وهي المعروفة باسم “الرشدية” التي كان لها تأثير قوي على الفلاسفة وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهودي والمسيحي إلا أن كتابات ابن رشد كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية هي الفكر المهيمن في أوروبا حتى القرن الـ16 الميلادي.
مؤلفات وكتب ابن رشـد
تربو شروح ومصنفات ابن رشد الفلسفية والعلمية والأدبية على المائة مؤلف، وصلنا منها ثمانية وخمسون، بعد أن حُرق الكثير منها، ومن: أهمها “فصل المقال فيما بين الحقيقة والشريعة من اتصال” و”تهافت التهافت” و”بداية المجتهد ونهاية المقتصد” و”الكليات” و”الكشف عن مناهج الأدلة” و”الضروري في النحو” و”مختصر المستصفى”.
حرق كتب ابن رشد
في نهاية حياته تعرض ابن رشـد لاتهامات بالكفر والإلحاد من جانب عدد من علماء الأندلس والمعارضون له آنذاك، انتهت بانصياع الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف لتلك الاتهامات، فأصدر قرارًا بنفيه إلى مراكش، وسجل التاريخ أن المنصور الموحدي حرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر وقتها الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدا الطب والفلك والرياضيات.
أصدر المنصور أيضًا منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهَدَّد مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة. قيل أن ابن رشد بكى بكاءً شديدًا عندما حُرقت كتبه، وقال عن ذلك: “لا أبكي علي الكتب ولكني أبكي على ما وصلت إليه أمة الإسلام”.
وفاة ابن رشد
توفي ابن رشـد في 10 كانون أول/ ديسمبر 1198 في منفاه في مراكش(المغرب) وترك خلفه إرثًا عظيمًا في الفلسفة الإسلامية. فقد كان يرى أن لا تعارض بين الدين الإسلامي والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقًا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة. وهو القائل بأن: “أكبر عدو للإسلام جاهل يكفّر الناس”.